استدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطيه - رضى الله عنها - قالت :- إن إمرأة كانت تختن بالمدينة ، فقال لها النبى - صلى الله عليه وسلم - " لا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للزوج وأسرى للوجه " ، وجاء ذلك مفصلاً فى رواية أخرى تقول : ( إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة وقد عرفت بختان الجوارى ، فلما أتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : يا أم حبيبة ، هل الذى كان فى يدك بالأمس فى يدك اليوم ؟ فقالت : نعم يارسول الله إلآ أن يكون حراماً تنهانى عنه - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : بل هو حلال ؟ ( فأدن ) منى حتى أعلمك ، فدنت منه - فقال : يا أم حبيبة ، إذا أنت فعلت فلا تنهكى ، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج ).*
* (هذا الحديث رواه أبو داود فى السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال عنه : إنه ضعيف / وورد الحديث - أيضاً - فى نختصر سنن أبى داود للحافظ المنذرى ومعالم السنن للخطابى وفى تهذيب الإمام ابن القيم بطريق آخر وقال عنه أبو داود ليس بالقوى ./ وفى تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد عن ابن عطية . / وأخرجه الحاكم فى المستدرك عن الضحاك بن قيس ، وسكت عنه الحاكم الذهبى ./ وفى هامش كتاب إحياء السنة وإخماد البدعة تحقيق وتعليق أحمد عبدالله باجور : قال : وأخرجه السيوطى فى الجامع الصغير أولى رواية الطبرانى9 والحاكم عن الضحاك بن قيس وأشار إليه بعلامة الصحة .)
( للحديث شواهد أخرى تقويه فقد جاء فى فتح البارى للحافظ بن حجر شرح صحيح البخارى عقب نقله قول أبى داود عن هذا الحديث - ليس بالقوى - ، فقلت وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أمن أيمن عن أبى الشيخ فى كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقى ./ ويشهد له حديث " خمس من الفطرة " المتفق عليه بتفسير الفطرة بالمعنى المتقدم . وحديث " إذا التقى الختانان وجب الغسل " - قال الإمام أحمد وفى هذا أن النساء كن يختتن - كما فى تحفة المردود لابن القيم )* .
ومعنى ( لا تنهكى ) : لا تبالغى فى القطع والخفض ، ويؤكد هذا الحديث الذى رواه أبو هريرة - رضى الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :- " يا نساء الأنصار اختفضن ( أى اختتن ) ولا تنهكن ( أى لا تبالغن فى الخفاض ) ، وهذا الحديث جاء مرفوعاً برواية أخرى عن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - . ( نيل الأوطار للشوكانى )
وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم إلى ختان النساء ، ونهى عن الإستئصال ، وقد علل هذا فى إيجاز وإعجاز حيث أوتى جوامع الكلم فقال : " فإنه أشرق للوجه ، وأحظى للزوج " .
وهذا التوجيه النبوى إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسى عند الفتاة ، فأمر بخفض الجزء الذى يعلو مخرج البول ، لضبط الاشتهاء ، مع الإبقاء على لذات النساء ، واستمتاعهن مع ازواجهن ، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واسئصاله .
وبذلك يتحقق الاعتدال ، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة ، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار ، وعدم القدرة على التحكم فى نفسها عند الإثارة .
ولما كان ذلك :
كان المستفاد من النصوص الشرعية ، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت فى كتب السنة والفقة أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التى دعا إليها الإسلام ، وحث على الالتزام بها وهذا ما يشير إليه تعليم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= كيفية الختان ، وتعبيره فى بعض الروايات بالخفض ، مما يدل على القدر المطلوب فى ختانهن .
ومقتضى ما قاله الإمام البيضاوى عن حديث ( خمس من الفطرة ) : أنه عام فى ختان الذكر والأنثى ، حيث قال : إن معنى الفطرة فى هذا الحديث تتمثل فى مجموع ما ورد من أن الفطرة : هى السنة القديمة التى اختارها الأنبياء ، واتفقت عليها الشرائع ، فكأنها أمر جبلى ينطوون عليه ، وقال الشوكانى فى نيل الأوطار : إن تفسير الفطرة بالسنة لا يراد به السنة الاصطلاحية المقابلة للفرض والواجب والمندوب ، وإنما يراد بها الطريقة ، أى طريقة الإسلام ، لأن لفظ السنة على لسان الشارع أعم من السمة فى اصطلاح الأصوليين .