الحديث القدسى هو : ما رواه النبى - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تبارك وتعالى على غير النسق القرآنى ونظمه وإعجازه ، ولكنه أشبه فى نظمه وأسلوبه بسائر الحديث النبوى .
يعد الحديث القدسى فى جملة السنة النبوية لكون راويه هو النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وله صيغ كثيرة يعرف بها الحديث القدسى ، وأشهرها ما كان صريحاً فى بيان هذه السنة مثل قول النبى - صلى الله عليه وسلم - : " قال الله .... " أو " يقول الله ..... " أو " قال ربكم .... " أو " يقول ربكم .... " أو " أوحى الله ... أن .... " ، أو ما أشبه ذلك من الصيغ التى تثبت القول للرب تبارك وتعالى عن طريق إسناد فعل القول - أو ما يؤدى معناه - إسناداً صريحاً إليه .
والحديث القدسى مثبوت فى مدونات السنة ومصنفاتها المختلفة من صحاح ومسانيد وسنن ومعاجم وجوامع وغيرها ، لا يتميز دون سائر أحاديثها فى باب مستقل أو موضع محدد .
وهو منقول بطريقة الآحاد كعامة الأحاديث النبوية ولذا فإنه يخضع لقواعد علم الحديث وعلل الرجال وما يطرأ على الأسانيد والمتون من صحة وحسن وضعف ووضع ، بل إنه لإقبال العامة عليه9 كان مجالاً لاختراع الكذابين واختلاق الوضاعين ، مما يستلزم ضرورة النظر فى أسانيده وفحص متونه ، ليعرف صحيحه من سقيمه .
وليس للحديث القدسى قوة إعجاز خاصى كالقرآن الكريم ، ولكنه لجلالة نسبته ، ولطف موضوعه كان له موقع خاص فى السمع واستقبال متميز فى النفس ، وأثر ظاهرة فى الشعور والوجدان .
وهو لا يتعرض لتفصيل الأحكام الفقهية ، ولا لبيان الشرائع التعبدية كالحديث النبوى ،ولكنه يركز على بناء النفس الإنسانية وتقويمها وتربيتها على الأغراض الشرعية ، والمقاصد الربانية .
فالحديث القدسى يحض النفس9 على الطاعات ، ويحذر من المعاصى والمنكرات ، ويدعو إلى الخير والفضيلة ومكاغرم الأخلاق ، ويوجه النفس إلى حب الله وطلب رضاه ، ويرغب فى الجنة ويخوف من النار .
وهو فى جملة القول يدور فى فلك الوعظ والتوجيه والتربية .
قال ابن حجر الهيتمى فى شرح الأربعين النووية فى الحديث القدسى " أعلم أن الكلام المضاف إليه سبحانه ثلاثة أقسام :-
أولها : وهو أشرفها " القرآن " لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة ، وكونه معجزة باقية على ممر الدهر ، محفوظة من التغيير والتبديل .
ثانيها :- كتب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبل تغييرها وتبديلها .
ثالثها :- الأحاديث القدسية ، وهىه ما نقل إلينا آحاداً عنه الله ، مع إسناد لها عن ربه ، فهى من كلامه تعالى ، فتضاف إليه ، وهو الأغلب ، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء ، لأنه المتكلم بها أولاً ، وقد تضاف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه المخبر بها عن الله تعالى ، وبخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إليه تعالى " .