لغة الإنسان تشبه الكائن الحي، لها تاريخ. تشب وتتطور ثم تضمحل. هذه طبيعة اللغات. واللغة العربية لاتخالف غيرها من اللغات. فإن خالفت، فليس ذلك من طبيعة الأشياء. ولدراسة تاريخ اللغة، أية لغة كانت، يستخدم العلماء أدوات وطرق تحليلية علمية. فإن أردنا دراسة تاريخ اللغة العربية فما علينا إلا اتباع ذات النهج العلمي الحديث.
وإن أردنا تتبع نشوء اللغة العربية في حقبة معينة، فأول عمل يجب ان نقوم به هو جمع كل مانستطيع من أدلة مادية من تلك الحقبة. فهناك القرآن الكريم، وهناك كتب التراث. وهناك الآثار.
القرآن هو أول ماكتب باللغة العربية في فجر الدولة الإسلامية. وأما كتب التراث فإنها ظهرت في عصر التدوين، في أواخر القرن الثاني الهجري. وتدل هذه الكتب على أن اللغة العربية قد بلغت مبلغاً علياً من التطور في الأحرف والكلمات والمعاني والاستخدامات وعروض الشعر. ولكن اللغة العربية لم تكن كذلك قبل هذا، بل أخذت قروناً في التطور كي تصل إلى ماوصلت إليه.
لدراسة تطور اللغة العربية عبر العصور القديمة لا نمتلك من الأدلة المادية غير تلك الآثار التي قام بجمعها وتوثيقها علماء الحفريات. ولكن، ومع كل أسف، تفتقر مراكز البحث العلمي في البلاد العربية قاطبة للأبحاث في دراسة تلك الآثار، إلا ما ندر. وإن وجدت فنشراتها نادرة.
في الصورة أعلاه، نموذج من نقش على الصخر يرجع إلى أوائل القرن الرابع الميلادي. وتحته مجهود علماء النقوش في النقل الحرفي إلى الحروف العربية الحديثة. من الواضح بان لغة ذلك النقش بعيدة عن لغة القرآن.
والسؤال الذي يحتاج إلى التفكير والمزيد من البحث هو: هل أمكن للغة العربية أن تتطور بذلك الشكل الكبير في خلال ثلاثة قرون؟ الإجماع بين علماء تاريخ اللغات هو النفي. فاللغة العربية مثلها مثل بقية لغات البشر لا يمكن أن تأخذ هذا القدر الكبير من التطور في تلك الفترة القصيرة. فإن تطورت بهذا الشكل الكبير فإنها تخالف طبيعة الأشياء. وهذا حقاً من الأسئلة المحيرة. وليس لنا من سبيل في الإجابة عليه، في الوقت الحاضر.
وهذه ترجمة النقش إلى العربية الحديثة:
هذا قبر أمرؤ القيس بن عمرو ملك جميع العرب المتوج
الذي ملك قبائل أسد و نزار وملوكهم وفرق قبيلة مذحج
يوم حصار نجران وبلاد شمر الذي تغلب على معد وقسم بين ابنائه
ونظم جيوشه كجيوش الروم ولم يصل إلى مجده أي ملك قبله
حتى اليوم توفي سنة 223 في اليوم السابع من كسلول دامت السعادة على أولاده
الحجر من آثار ضريح إمرئ القيس بن عمرو بن عدي، ثاني ملوك الحيرة. تم اكتشافه في مطلع القرن العشرين في صحراء الشام. والسنة المذكورة في النقش توافق سنة 329 ميلادي.