وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد أنهم قالوا إن الأرض بين يدي ملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث يشاء وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله إن كان مؤمنا أتاه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب طيبة الأرواح وإن كان كافرا فبالضد من ذلك عياذا بالله العظيم من ذلك وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري حدثنا عمرو بن شمر قال سمعت جعفر بن محمد قال سمعت أبي يقول نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال ملك الموت يا محمد طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتفحصهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم بأنفسهم والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها قال جعفر بن محمد أبي هو الصادق بلغني بتفحصهم عند مواقيت الصلاة فإذا حضر عند الموت فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة هذا حديث مرسل وفيه نظر وذكرنا في حديث الصور من طريق إسمعيل بن رافع المدني القاص عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله وفيه ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق فينفخ نفخة الصعق فيصعق أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله فإذا هم قد خمدوا جاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل فيقول يا رب قد مات أهل السموا والأرض إلا من شئت فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت حملة عرشك وبقي جبريل وميكائيل فيقول ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش فيقول يا رب يموت جبريل وميكائيل فيقول اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي فيموتان ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل فيقول يا رب قد مات جبريل وميكائيل فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت حملة عرشك وبقيت أنا فيقول الله لتمت حملة عرشي فتموت ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك الموت فيقول يا رب قد مات حملت عرشك فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا فيقول الله أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت فيموت فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد كان آخرا كما كان أولا وذكر تمام الحديث بطوله رواه الطبراني وابن جرير والبيهقي ورواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الطوالات وعنده زيادة غريبة وهي قوله فيقول الله له أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت موتا لا تحيى بعده أبدا
ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف وقد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا عن ابن عمر وصححه ابن حبان في تقاسيمه وفي صحته عندي نظر والأشبه أنه موقوف على عبدالله بن عمر ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار كما سيأتي بيانه والله أعلم وفيه أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر وعن علي وابن عباس وابن عمر أيضا أن الزهرة كانت امرأة وأنهما لما طلبا منها ما ذكر أبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم فعلماها فقالته فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال وفي ذلك الزمان إمرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة ثم قيل كان أمرهما وقصتهما في زمان إدريس وقيل في زمان سليمان بن داود كما حررنا ذلك في التفسير
وبالجملة فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى كعب الأحبار كما رواه عبدالرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار بالقصة وهذا أصح إسنادا وأثبت رجالا والله أعلم
ثم قد قيل إن المراد بقوله وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت قبيلان من الجان قاله ابن حزم وهذا غريب وبعيد من اللفظ ومن الناس من قرأ وما أنزل على الملكين بالكسر ويجعلهما علجين من أهل فارس قاله الضحاك ومن الناس من يقول هما ملكان من السماء ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما إن صح به الخبر ويكون حكمهما كحكم إبليس إن قيل إنه من الملائكة لكن الصحيح أنه من الجن كما سيأتي تقريره
ومن الملائكة المسمين في الحديث منكر ونكير عليهما السلام وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر وقد أوردناها عند قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وهما فتانا القبر موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه ويمتحنان البر والفاجر وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة أجارنا الله من عذاب القبر وثبتنا بالقول الثابت آمين وقال البخاري حدثنا عبدالله بن يوسف حدثنا ابن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ورواه مسلم من حديث ابن وهب به