ثمنك إيمانك وخلقك
مر هذا الرجل الفقير المعدم ،
وعليه أسمال بالية وثياب رثة،
جائع البطن.. حافي القدم.. مغمور النسب ،
لا جاه ولا مال ولا عشيرة ،
ليس له بيت يأوي إليه ،
ولا أثاث ولا متاع ،
يشرب من الحياض العامة ب كفيه مع الواردين
وينام في المسجد ،
مخدته ذراعه،
وفراشه البطحاء ،
لكنه صاحب ذكر ل ربه وتلاوة ل كتاب مولاه ،
لا يغيب عن الصف الأول في الصلاة والقتال ،
مر ذات يوم ب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ف ناداه باسمه وصاح به :
« يا جليبيب ألا تتزوج؟ ».
قال :
"يا رسول الله ، ومن يزوجني؟ ولا مال ولا جاه؟ ".
ثم مر به أخرى ،
فقال له مثل قوله الأول ،
وأجاب ب نفس الجواب ،
ومر ثالثة ، ف أعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب ،
ف قال صلى الله عليه وسلم :
«يا جليبيب ،
انطلق إلى بيت فلان الأنصاري وقل له :
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ،
ويطلب منك أن تزوجني بنتك».
وهذا الأنصاري من بيت شريف وأسرة موقرة ،
ف انطلق جليبيب إلى هذا الأنصاري
وطرق عليه الباب وأخبره ب ما أمره به
رسول الله صلى الله عليه وسلم ف قال الأنصاري :
"على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ،
وكيف أزوجك بنتي يا جليبيب ولا مال ولا جاه؟".
وتسمع زوجته الخبر ف تعجب وتتساءل :
"جليبيب ، لا مال ولا جاه؟!".
ف تسمع البنت المؤمنة كلام جليبيب
ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم
ف تقول لأبويها :
"أتردان طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
..............................لا والذي نفسي بيده".
..............................لا والذي نفسي بيده".
..............................لا والذي نفسي بيده".
وحصل الزواج المبارك
والذرية المباركة والبيت العامر ،
المؤسس على تقوى من الله ورضوان ،
ونادى منادي الجهاد،
وحضر جليبيب المعركة ،
وقتل ب يده سبعة من الكفار ،
ثم قتل في سبيل الله،
وتوسد الثرى راضيا عن ربه
وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
وعن مبدئه الذي مات من أجله،
ويتفقد الرسول صلى الله عليه وسلم القتلى ،
ف يخبره الناس بأسمائهم
وينسون جليبيبا في غمرة الحديث ،
لأنه ليس لامعا ولا مشهورا،
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم
يذكر جليبيبا ولا ينساه،
ويحفظ اسمه في الزحام ولا يغفله،
ويقول :
...................«لكنني أفقد جليبيبا! ».
ويجده وقد تدثر ب التراب،
ف ينفض التراب عن وجهه ويقول له :
«قتلت سبعة ثم قتلت؟ ،
................................أنت مني وأنا منك ،
................................أنت مني وأنا منك ،
................................أنت مني وأنا منك
................................أنت مني وأنا منك
».
ويكفي هذا الوسام النبوي
جليبيبا عطاء ومكافأة وجائزة...
إن ثمن جليبيب
إيمانه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ،
ورسالته التي مات من أجلها...
إن فقره وعدمه
وضآلة أسرته لم تؤخره عن هذا الشرف العظيم
والمكسب الضخم ،
لقد حاز الشهادة والرضا والقبول
والسعادة في الدنيا والآخرة :
(فرحين بما آتاهم الله من فضله
ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم
ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
[سورة آل عمران : 170].
إن قيمتك في معانيك الجليلة وصفاتك النبيلة.
إن سعادتك في معرفتك للأشياء
واهتماماتك وسموك.
إن الفقر والعوز والخمول ،
ما كان -- يوما من الأيام -- عائقا
في طريق التفوق والوصول والاستعلاء.
هنيئا ل من عرف ثمنه فعلا ب نفسه ،
وهنيئا ل من أسعد نفسه بتوجيهه وجهاده ونبله،
وهنيئا ل من أحسن مرتين،
وسعد في الحياتين،
وأفلح في الكرتين، الدنيا والآخرة.
[/center]
[/b]